على مرجٍ مكسوٍّ بسجادة خضراء تغطيها أمنا الشمس بأشعتها الذهبية لترسم لوحةً جمالها ولا في الأحلام ..
هناك .. وعلى تلك التلة وبعيدًا عن سخط وصخب وتعقيدات الحياة .. هنالك يعيش قطيعًا من الحمير بخصوصية تامة وبمجتمعية مغلقة .. فلا مكان إلا للحمير ..
" دانكي دونكي " هو حمار هذا المرج المدلل وحديث المجتمع الحميري ، أبوه " مستر دونكي " زعيم وسيد هذا القطيع المحترم .
دانكي دونكي وُلد وفي فمه برسيمٌ ذهبي ، كل ما يتمناه حمار قد حصل عليه دانكي .. إلا أن الحمار يبقى حمارًا ولا يملأ عين الحمار إلا التبن .. دانكي بالغ في حلمه وذهب بعيدًا عن ما اعتاد عليه مجتمعه المنغلق .. فما هو حلمه الذي جر عليه الويلات ؟؟
يحلم دانكي بأن يصبح بشريًّا !! ولشدة تعلقه بهذا الحلم ولهوسه المفرط بالبشر قام بثني أذنيه إلى الخلف وربطهما ووضع عليهما عصابة حمراء وحتى يبدو الموضوع أكثر بشرية وضع على رأسه شعرًا منفوشًا أسودًا ليخفي أي أثر لتلك الآذان الطويلة هذا بالإضافة إلى أنه لا يمشي إلا على رجلين فقط وتعرفون السبب .. إنه مستعد بالتضحية وبعمل أي شيء مقابل أن يمنح وسام " بني آدم " !!
لتلك الأسباب ،، أصبح دانكي مكروهًا عند عقلاء وعامة الحمير وعند السيد جحش – الذي يطمع لأن يكون كبير الحمير - .. وكما أنه لكل ساقطة لاقطة فقد أُعجب بدانكي شباب ومراهقي الحمير وسرعان ما أصبح له مجموعة وقد تطور أمرها فأصبحت فرقة راب موسيقية سرعان ما اشتهرت وذاع صيتها في بقية المروج ..
في أحد الأيام وبينما كان دانكي وفرقته يمشون في السوق ، كان كبار الحمير ينظرون إليهم باحتقار وكانوا يتهامسون فيما بينهم :
- انظروا إلى ذلك البشري ( والبشري في عرف الحمير تقابل كلمة حمار في عرفنا ) .
- هه !! يقولون هذا الجحش من ذاك الحمــار .
- لا .. لا .. إن أباه ( دونكي ) حمار محترم ولا أحد يعيب عليه لكن الحق على هذا الدانكي ، لا أدري من أي جحيم خرج لهم ..
- اسمعوا .. اسمعوا .. لنكن إيجابيين ولننطلق إلى السيد " دونكي " ولنخبره بأن ابنه دانكي بدأ يفسد أبناءنا ويميعهم ليصبحوا "بني آدميين " .
- ذاك هو الرأي ..
- لننطلق .
وعند الليل وفي أحد الكهوف البعيدة عن الأنظار ، أُقيم حفل ماجن صاخب تحت رعاية فرقة الدانكي ، ولكم أن تتخيلوا ذلك الجو العفن ..
شباب الحمير قد اختلطوا مع الأتانات ( جمع أتان وهي أنثى الحمار ) .. الأضواء الليزرية .. وإيقاعات الفرقة الماجنة .. جعلت الأجواء شبيهة إن لم تكن توأمة الكابيريهات البشرية ..
دانكي معلقًا قيثارته على عنقه وقد أمسك بالمايك ..
" سيداتي سادتي .. اليوم .. سيبدأ عهدنا الجديد .. وهذه الأغنية أهديها إلى كل حمار ناضل لكي يكون بشريًا .. إلى تلك الأرواح الطاهرة .. أهدي هذه المقطوعة .. "
( قوموا أنتم بتشغيل موسيقى صاخبة ولتكن تلك الموسيقى ثلاثة قدور طبخ مقلوبة وتأكدوا أنها خالية ، وملعقة كبيرة وملاس – الملاس ملعقة أكبر من الملعقة الكبيرة - ،، هل آلاتكم الموسيقية جاهزة فليبدأ العزف وغنوا هذه الكلمات ..
ون ... تو ... ثري ... فور
الدانكي دونكي .. لالا تكن دونكي
الدانكي دونكي .. اسمع كلام الدونكي
أقوم كل صباح .. ولا يوم أرتاح
آكل شعير .. ولا أغني ولا أطير
أحمل أسفار .. ولا أكتب أشعار ..
يا للعار يا للعار .. يا للعار يا للعار ..
" يا للعار يا للعار !! " العبارة الأخيرة لامست مشاعر الحضور فكرروها ورددوها بحماس أقل ما يقال عنه أنه جنون ...
قام أحد الحضور بتسجيل تلك الأغنية وأعطاها للسيد جحش الذي انطلق على الفور وفي صحبته عقلاء الحمير إلى السيد دونكي ..
وبعدما أسمعوه ترهات ابنه .. تحدث السيد جحش قائلاً :
يؤسفني يا سيد دونكي أن يكون هذا الدانكي ابنك ، إنه سفه أحلامنا واحتقر جنسنا وقد تمادى الآن بمحاولته لغسل أدمغة أبنائنا بهذا الروك أو الزفت الذي ابتدعه ..
أخذ السيد دونكي يهز رأسه معبرًا عن عدم رضاه ثم أردف قائلاً : سأتحدث معه .
تابع السيد جحش ..
عفوًا مستر دونكي ،، تتحدث معه !! هه !! انتهى وقت الحديث ، قل أسلخ جلده .. أضربه على قفاه ، أعلقه من أذنيه من أنفه من أسنانه ..
لا تنس يا سيد جحش أنك تتكلم عن ابني ، ثم متى كان الطيش يواجه بطيش مثله .. إنه حمار مراهق وعلينا أن نوجهه ونتعامل معه بالحكمة ..
لم يعجب السييد جحش وبقية الوجهاء هذا الكلام وقد عرف وفطن السيد دونكي لذلك فقال :
أمهلوني أسبوعًا إذا لم يصحح ويعدل من وضعه فأنا من سيسلخ جلده بيدي ..
حسنًا يا سيد دونكي .. فليباركك الرب .
عاد الابن دانكي إلى المنزل بشعره المنفوش وطريقة مشيه البشرية ، وما إن دخل المنزل حتى لوّح بحافره قائلاً ..
Hi Daddy
ناداه أبوه ..
دانكي ..
نعم يا والدي ..
أريدك في حديث جانبي ..
أنا متعب الآن ألا تستطيع تأجيله للغد ..
مع الأسف ،، الموضوع طارئ ..
وفي جلسة حميمية حميرية .. وضع الأب يده – حافره – المهم أن هناك شيء قد وضع على كتف ابنه وقال له :
سأحدثك حديثًا لن أقول لك بأنه صادر من أعماق قلبي لأنك ستدرك ذلك ..
اسمع يا ابني دانكي ..
أنا حمار بن حمار منذ ما يزيد عن مائة عام ، وطوال تلك المائة عام لم أسمع عن حمار ضرب أو رفس حمارًا آخر ، وفي المقابل فإنه لا يمر يوم على ذلك الجنس المتدني والذي يدعى بشر إلا وقد اعتدى أحدهم بقتل واحد من أبناء جنسه ، هذا غير الحروب والمعارك وتلك الأسلحة الخالية من صفات الرحمة والحمورية ..
دانكي ..
انظر إليهم كيف يضربون أبناء عمومتنا الحمير في قراهم ومدنهم بل وتعدت غطرستهم إلى أنهم بدؤوا امتطاءنا وجعلونا نجر العربات ،، إنهم متغطرسون بل معتوهون .. يظنون أن الكون خلق لخدمتهم ..
ابني دانكي ، لئن تُضرب بسياطهم ليل نهار أحب إلي من أن تكون واحدًا منهم ..
بني إني أحبك فاسمع نصيحة مشفق عليك ..
بني كن عاقلاً .. وسر في ركب الحمير ولتمضي معنا .. ولتعلم ...
أن قافلة الحمير تسير والبشري يهرطق ..
وفي هذه الأجواء الصادقة ..
نزلت دمعة من عين دانكي .. أزال ذلك الشعر المستعار من فوق رأسه .. ووقف على أربع وأزال عصبته الحمراء لترتفع أذنيه عاليًا لتعلن لوالده وللجميع أنه ..
حمارٌ للأبد ...